كانت الجامعة حاضنته وبيئته الثانية بعد والديه لتنمو فيها شجرته النحوية والبلاغية التي أسرت لبّه، وملكت عليه عقله، وأضحت الجامعة حقلًا مُتمِّمًا لما غرسه بينه وبين نفسه، وما بناه في داخله من معارف وعلوم، وشمسًا أخرى تطلع عليه بعد التراث النحوي الذي يسري منه مسرى الدم في الجسد، فكانت جنبات المكتبة المركزية للجامعة الإسلامية بستانًا قطف من أزهاره، ونهل من منبعه، وعونًا له عند الحاجة، فأمسى أبي حيان الغزّي.
التشبه بالكرام “فلاح”
خريج قسم اللغة العربية بكلية الآداب في الجامعة حمزة أبو توهة ذو الأربعة والعشرين التي حلّقت من عمره، وحطّت في طريق علم اللغة العربية، فأذهل كل من تعرّف إليه، حمزة الذي شدّته كتب الجامعة ومساقاتها، يقول: “لا أنسى أول أيامي في الجامعة، وأنا أحمل في حقيبتي شرح المعلقات السبع للزوزني، وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، وشرح شافية ابن الحاجب في الصرف، وشرح التلخيص في البلاغة للقزويني، ومقدمة ابن خلدون“.
ويتحدث الخريج أبو توهة عن تفاصيل اليوم الذي أطلق عليه لقب “أبي حيّان الغزّي، فيقول: “كان الدكتور في محاضرة النحو يُملي علينا بعض الفقرات من كتاب (منهج السالك) للإمام أبي حيان النحوي الأندلسي، توقف قليلًا، فرفعتُ صوتي وأكملت للطلبة باقي الفقرة من حفظي، فتعجّب الدكتور، وقال لي: أعطني الكتاب الذي معك، فقلت له: هو من حفظي يا دكتور، فتعجب الدكتور، وكان من بعد هذه المحاضرة يمازحني ويناديني (أبو حيان)، ويردف: “وكنتُ من قبل أعشق هذا الإمام، علَّامة الدنيا، فُكنيت بكنيته، ليس من باب المزاحمة والتكبر، وإنما هو من باب التشبه بالكرام”.
عشق النحو
أحبّ الخريج أبو توهة الكتب والمطالعة، فقرأ كل ما أثار شغفه، تعددت مطالعته بين الكتب اللغوية، والروائية، والأعمال الأدبية، والدينية من أصول الدين علم العقيدة (علم الكلام)، وعلم الفقه الأصغر للمذهب الشافعي.
تعلّق الخريج أبو توهة منذ طفولته بالتراث النحوي المخطوط، ويوضح: “عكفت على مجلة معهد المخطوطات التي بلغت مئة مجلدٍ، قرأتها واستوعبتها، وكنت قرأت من قبلها الكتب المصنفة في مجال تحقيق المخطوطات ككتاب عبد السلام هارون ورمضان عبد التواب“.
كان لركن كتب النحو والصرف في مكتبة والده المنزلية نصيب من رفقته، تصفح أوراقها الكثيرة مراتٍ عدة في محاولةٍ لاستيعاب ما لم يستطع إدراكه في المرات السابقة، كما لم ينسَ الخريج أبو توهة أنه في كثيرٍ من الأوقات التي طلب من والده أن يوفر له الكتب لم يتوانَ الثاني عن توفيرها حتى لو كان ذلك على حساب مصروف المنزل.
قدرات التحقيق
لم تتوقف قدراته اللغوية هنا، فواصل مشواره بعد تمكنه من علم العربية ليناطح أمواج متلاطمة ويخوض غمار بحر التحقيق، والذي له شقان، النظري المتعلق بالنسخ والخطوط والمقابلة والفهرسة ويستوي فيه الأغلبية، والآخر العلمي الذي يتنافس فيه العلماء، ويحتاج لمن أراد الغوص فيه أن يتشرب النحو ويتعرف بأسراره ومذاهبه وعلمائه ومدارسه.
حقق الخريج أبو توهة ثلاثة من الكتب، ويؤكد بقوله: “أول كتاب قمت بتحقيقه ودراسته وأنا طالب في الجامعة كتاب (البَهْجَة الوَفِيَّة بِحُجَّة الخُلَاصَة الأَلْفِيَّة) حيث إن مؤلف هذا الكتاب أصله من مدينة غزة، وهذا ما شجعني ودفعني بقوة إلى إخراج هذا الكتاب من رفوف المخطوطات إلى رفوف المكتبات، ثم قمت بتحقيق ودراسة كتاب (الوَفِيَّة بِاخْتِصَارِ الأَلْفِيَّة) للإمام جلال الدين السيوطي، والكتاب الثالث لكتاب (الكوكب المنير في شرح الألفية بالتشطير) للإمام أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي“، ويتابع: “ نشرت في مجلة معهد المخطوطات بحثًّا محكَّمًا بعنوان (القصيدة العجيبة والمفردة الغربية) للإمام ابن الخشَّاب“.
وكان النحوي أبو توهة أصغر مشارك من المؤلفين أصحاب الكتب الموقعة في معرض الكتاب الدولي في القاهرة في يناير المنصرم من هذا العام، وقد شارك الخريج أبو توهة في المعرض بكتابين موقعين.