في عينيه كلماتٌ اعتاد أن ينقلها بحروف يديه ليفهم بها من حوله, يستمعون لما ينطق من البيان بصمت لسانه الذي خاطبتنا به مترجمة لغة الإشارة إسراء غزال. في محافظة الوسطى بقطاع غزة أبصر علاء عليان 31عاماً نور الحياة, أخذ يداعب شمسه بابتساماته الضاحكة لاسيما بعد إصابته بالحمى الشوكية في الشهر الخامس من عمره, أفقدته سمعه لكنها لم تفقده محبة أسرته، التي حفته باهتمامها، ومساندتها له، وتعليمه مبادئ اللغة العربية والحساب في السنوات الأولى من عمره معتمداً على ترجمة ما تلقنه لغة الشفاه؛ لعدم توفر رياض أطفال في ذلك الوقت ترعى احتياجاته .
درس علاء صفي الأول والثاني من المرحلة الابتدائية في مدارس غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” أونروا”, “حينها وافق مدير المدرسة على انتسابي كمرحلة تجريبية، واجهت خلال العامين الكثير من الصعوبات في الاتصال والتواصل مع المدرسين والطلبة، كنت أفهم ما يدور حولي بالشفاه”.
لم يصمد صبر علاء أمام انتقادات وصفها بـ “الجارحة” أحياناً كثيرة, حالت دون مواصلته تعليمه، فلجأ للبحث عن بديل يستوعب قدراته، ويمكنه من مواصلة دراسته, يتابع:” ساعدني عمِّي واستكملت دراسة المرحلة الابتدائية في جمعية أطفالنا للصم التي بسطت لنا المناهج كما تعلمت خلالها لغة الإشارة بإتقان”.
محطات كثيرة توقف عندها علاء في طريقه للوصول بذاته لما أسماه “نهاية الأفق”, إلا أن افتقار المؤسسات في ذاك الوقت لتعليم الطلبة ذوي الإعاقة السمعية في المرحلة الإعدادية دفعه للانضمام كغيره من زملائه لمركز التدريب المهني في جمعية أطفالنا للصم، يقول علاء:” تعلمت الخياطة، وعملت لعام في مصنع، ثم انسحبت بعدها لصعوبة في تواصلهم معي، كنت أنا الأصم الوحيد بينهم”.
احترف علاء بعدها مهنة النجارة في مركز للتعليم المهني لذوي الإعاقة التابع لوزارة الشئون الاجتماعية “ومع توفر المترجمين والإمكانيات المناسبة، احترفت المهنة في عامين، وعملت في مصنع توقف عن عمله مع اندلاع الانتفاضة الثانية”.
لم ينفك حب علاء للعمل والعطاء بل زاده نهمه الشغوف للعلم على اكتساب الخبرات فوجد في عمله كمدرب للغة الإشارة لما يقارب خمس سنوات حافزاً كبيراً للارتقاء بمستقبله ومستقبل الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.
مضيفا:” شاركت لمدة عام ونصف في دورات تدريبية تدعم حقوق ذوي الإعاقة ومناصرتهم ضمن مشروع تابع لمؤسسة هانديكاب عام 2012م، وحصلنا على تمويل لمبادرة “صحوة ضمير” التي أطلقها فريقنا من الصم، وكنت أنا مديرها التنفيذي؛ لحشد ومناصرة قضايانا”.
وبعد قرار من وزارة التربية والتعليم العالي افتتحت مدرسة الرافعي الحكومية للصم فاستطاع علاء مواصلة تعليميه ودرس المرحلة الثانوية، وفي الأثناء عمل كسكرتير متطوع فيها.
انطلق بعدها مع زملائه متحدِّين رغبات وأمنيات طموحهم في الالتحاق بالتعليم الجامعي، فاحتضنتهم الجامعة الإسلامية بغزة التي حققت سبقاً نوعياً في التنمية البشرية لذوي الإعاقة السمعية على مستوى الجامعات الفلسطينية, وأردف علاء الذي يدرس دبلوم صيانة حاسوب وأجهزة ذكية في الجامعة :”اجتمعت الجامعة معنا، وعقدت ورش عمل؛ للوقوف على احتياجاتنا، وتحديدها، واختيار أنسب التخصصات التي تلائم قدراتنا”, واستدرك علاء الذي يحصل على منحة دراسية وفرتها له الجامعة الإسلامية ولزوجه التي أنجبت من عمعمة صمتهما طفلة في ربيعها الأول:” وفرت الجامعة الإسلامية تسهيلات للتعلم من مترجمي لغة إشارة، وعملت على تطويع المساقات معتمدةً على العلوم التطبيقية العملية…شكراً للجامعة الإسلامية..شكراً للجامعة الإسلامية”.