
أوصى أكاديميون ومشاركون في يوم دراسي نظمه قسم اللغة العربية بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية بتشكيل لجنة من المختصين للإشراف الدائم على نتاجات الحركة الإبداعية الشابة، وأكدوا على زيادة الاهتمام بالأدب الفلسطيني من خلال تشجيع إبداعات جيل الرواد في الشعر والقصة والمسرح واتخاذ كافة الإجراءات لحفظها من النسيان والضياع، وتجميع الدراسات النقدية التي واكبت إبداعات الرواد بالدراسة لتكون نواة للتأريخ للحركة النقدية الحديثة في فلسطين، وطالبوا بترجمة الإبداعات الفلسطينية التي تتصل بالقضية الفلسطينية، وخاصة ما يتصل بالقدس وإتاحتها للمحدثين بالإنجليزية والفرنسية على الأقل، جاء ذلك خلال اليوم الدراسي الذي نظمه قسم اللغة العربية بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية تحت عنوان: “الرواية العربية المعاصرة في فلسطين.. الرسالة والمعمار”، وانعقد اليوم الدراسي في قاعة المؤتمرات العامة بمبنى طيبة للقاعات الدراسية بحضور الدكتور وليد عامر –عميد كلية الآداب، والدكتور وليد أبو ندى –رئيس قسم اللغة العربية، ورئيس اللجنة التحضيرية لليوم الدراسي، وجمع من أعضاء هيئة التدريس بقسم اللغة العربية، وطلبة من القسم.
الجلسة الافتتاحية
وفي كلمته أمام الجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي، أوضح الدكتور عامر أن فلسطين تنفرد عن باقي الدول في مفهوم الرواية وخصائصها وموضوعاتها نظراً لوقوعها تحت الاحتلال، وبين أن الرواية الفلسطينية العربية قد لعبت دوراً كبيراً في إبراز تاريخ ونضال الشعب الفلسطيني في معركته من أجل البقاء والحصول على حقوقه كاملة، وأشار الدكتور عامر إلى أن الرواية الفلسطينية العربية شكلت وسيلة للحث على الصمود وعدم التنازل، وعبر فيها الأدباء عن مشاعرهم، وارتباطهم بالوطن، وتقرير حب الوطن، والمحافظة على الأرض والهوية، وأكد الدكتور عامر أن الرواية والأدب العربي يمثلان الهوية العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني، والمرآة التي تصور حضارته وهمومه وأوجاعه تحت الاحتلال، وشجع الدكتور عامر طلبة كلية الآداب في قسمي اللغة العربية والإنجليزية بالمشاركة الفاعلة في الحملة الإبداعية التي تتمثل في الكتابة الإبداعية لصالح الأسرى داخل سجون الاحتلال.
خصوصية التجربة
بدوره، قال الدكتور أبو ندى: “إن الرواية الفلسطينية المعاصرة باتت سجلاً لتقلبات الذات الفلسطينية وذاكرة حية للتاريخ الفلسطيني، وأن الرواية الفلسطينية وهي تغوص في أعماق الشيء الفلسطيني ذاتاً ومكاناً وزماناً وحُلماً ووجعاً لا تسأم من الإلحاح على خصوصية التجربة الفلسطينية والزمان الفلسطيني”، وأوضح الدكتور أبو ندى أن الذات الفلسطينية التي كادت أن تسحق تحت وطأة اللحظة الحاضرة وقسوة المكان القريب، ظلت متماسكة وصامدة ومن ثم انتصرت، مشيراً إلى أن الرواية الفلسطينية المعاصرة باتت على مفترق طرق في رسالتها ومعماريتها، وتحدث الدكتور أبو ندى عن دور الرواية الفلسطينية الريادي في دفع الحلم الفلسطيني للأمام نحو الغد والمستقبل الواعد، وتابع حديثه قائلاً: “الرواية مدعوة اليوم لأن تترجم أشواق العودة كما سجلت لحظات الضياع والتشرد، ومدعوة لأن ترتقى بمعماريتها غلى الثقافات السردية المعاصرة.
ثقافات السرد
وفيما يتعلق بالمحاضرات التي تضمنها عقد اليوم الدراسي، فقد تناول الأستاذ الدكتور يوسف رزقة –عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية- في المحاضرة العلمية الأولى- ثقافات السرد في الرواية الفلسطينية، وعرف الرواية على أنها فن معقد تتشابك فيه عدة فنون كالشعر والمسرح والمقالة، وأنها الوريث الشرعي للشعر، وبين الأستاذ الدكتور رزقة أن الرواية القديمة كانت تقوم على الشخصية، والتسلسل المنطقي للأحداث، والزمان والمكان، موضحاً أن تطور ثقافات الرواية الجديدة جاء نتاج ظروف حضارية واجتماعية وأحداث عالمية كالحرب العالمية الثانية وما تبعها من مأسي على مستوى الإنسانية، وتحدث الأستاذ الدكتور رزقة عن حضور التاريخ والواقع في الرواية، مبيناً أن الرواية ليست تاريخاً أو واقعاً بل كانت تتكئ على التاريخ والواقع.
الرواية الفلسطينية
واستعرض الأستاذ الدكتور حماد أبو شاويش –أستاذ الآدب والنقد بجامعة الأقصى- في المحاضرة العلمية الثانية ورقة عمل حول صورة الأخر في الرواية الفلسطينية، وتحدث الأستاذ الدكتور أبو شاويش عن التطور والتجديد الذي شهدته الرواية الفلسطينية على مستوى المضمون والشكل معاً، وكشف عن خصوصية التجربة الفلسطينية بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، وأوضح الأستاذ الدكتور أبو شاويش تجليات الرواية الفلسطينية اجتماعياً من خلال تصوير آثار النكبة من معاناة وتشرد وبؤس وكذلك في قضية المرأة والطبقات الاجتماعية وبخاصة طبقة العمال والكادحين.
وتطرق الأستاذ الدكتور أبو شاويش إلى تجليات الرواية الفلسطينية ثقافياً وفكرياً من خلال تناول قضايا الحرية والقمع، والاغتراب، والنظرة إلى الذات والآخر، مبيناً نجاح الرواية الفلسطينية في تصوير الواقع فنياً ورصد إيقاع تحولاته وتجسيدها إبداعياً.
توظيف التراث
وفي المحاضرة العلمية الثالثة، تحدث الأستاذ الدكتور نبيل أبو علي –أستاذ الأدب والنقد في الجامعة الإسلامية، ونائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني- عن توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة في فلسطين، ووقف على ماهية التراث في اللغة، وعلى أسباب العودة للتراث، وأوضح الأستاذ الدكتور أبو علي أن أشكال توظيف نثريات التراث ورموزه في الرواية الفلسطينية قد وزعت على الإلماح والتماهي والتقاطع –أحياناً- والتضمين والاستغراق، وذكر الشواهد على ذلك والتي تتمثل في تتبع أنواع التراث ورموزه في بعض الروايات الفلسطينية على النحو الآتي: توظيف الذات التاريخي، وتوظيف الخرافات والأساطير، وتوظيف الطقوس والأهازيج الشعبية، وتوظيف النصوص والرموز الدينية.
الرواية الفلسطينية الجديدة
وشارك الدكتور كمال غنيم –عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية، في المحاضرة العلمية الرابعة- بورقة عمل حول الرواية الفلسطينية الجديدة في الآدب الفلسطيني، وأشار الدكتور غنيم إلى أن الرواية الفلسطينية المعاصرة قد تشربت معطيات الرواية الجديدة من خلال توظيف الثقافات متعددة الحضور، ومتفاوتة الأشكال والألوان، موضحاً أنها انطلقت في تحديد ذلك من خلال دراسة الزمان في رواية الجانب الآخر لأرض المعاد للكاتب “أحمد حرب”، ومن خلال دراسة الشخوص في رواية الرصيف للكاتب “محمود الزهار”، وبين من خلال تلك النماذج حجم توظيف الثقافات الجديدة والاستفادة من تقسيمات الزمن الجمالية من حيث الترتيب والديمومة والتواتر، وآلية رسم الشخصيات بأبعادها المتعددة، واقتراب الرواية من الشكل البانورامي المحافظ على الجوهر الجمالي الدرامي.