عقدت اللجنة الثقافية بقسم اللغة العربية بالتعاون مع منتدى الإبداع الثقافي في كلية الآداب بالجامعة الإسلامية ومركز العلم والثقافة يومًا دراسيًا بعنوان: “الدراما التلفزيونية التاريخية في عصر الدول والإمارات الثاني”، في قاعة مؤتمرات كلية الآداب في الجامعة، وذلك ضمن فعاليات (أسبوع الشعر والسرح)، بحضور الدكتور باسم البابلي- رئيس قسم اللغة العربية، والأستاذ الدكتور كمال غنيم- رئيس منتدى الإبداع الثقافي، ولفيف من الأساتذة والمثقفين وطلبة العلم.
من جانبه، تحدث الدكتور البابلي في الجلسة الافتتاحية عن أهمية الدراسات العلمية في مجال الدراما، لأنها تثري الحراك الفني المحلي، وتغذيه بالملاحظات النقدية، والتوصيات التي تسهم في تطوره.
وبين الأستاذ الدكتور غنيم مفهوم السيناريو وعلاقته الوطيدة بالدراسات الأدبية المواكبة لتطورات العصر، وأشار إلى مفهوم عصر الدول والإمارات الثاني، الذي يمتد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى يومنا، وهو العصر الذي ظهرت فيه الفنون القصصية والدرامية الحديثة، وصارت تعد فن العربية الأول في زماننا.
وتناولت الدكتورة وفاء عوض الله – باحثة، في الدراسة التي قدمتها “بنية الزمن في سيناريو مسلسل جمال الدين الافغاني للأديب أحمد رائف”، وسلطت الضوء على أحد أعمال الدراما التاريخية الدينية، التي استطاعت أن تحقق الجمال في بنية الزمن، من خلال ضبط عنصر الزمن وتوظيف تقناته، حيث شكلت المفارقات الزمنية أبرز عناصر البناء الدرامي الزمني، فقد كسر الكاتب خطية الزمن وتلاعب في أنظمته، وكثر في السيناريو الاسترجاع الخارجي على حساب الاسترجاع الداخلي، للكشف عن ماضي عنصر من عناصر السيناريو، وعقد موازنة بين ماضي الشخصيات وحاضرها، وإلقاء الضوء على بعض المحطات الهامة لسير الأحداث، أما الاسترجاع الداخلي فلم يأخذ الزخم الذي حظي به الخارجي، وفي الغالب كان استرجاعاً مشوباً بالأسى والحزن، تستذكر فيه الشخصيات ما مر بها من خطوب.
واستعرضت الباحثة شيماء أبو شقرة في دراستها “جنسية وليد سيف وأثرها على مسلسل “التغريبة الفلسطينية”، وخلصت الباحثة إلى تأثير جنسية الكاتب (وليد سيف) الفلسطينية في البناء الفني لعمله الدرامي (التغريبة الفلسطينية)، حيث توزعت شخصية الكاتب وشخصيات أسرته على أبطال العمل، كجده إبراهيم الذي تقمص دوره أبو أحمد، وإبراهيم الذي تقمص دوره أحمد، والكاتب الذي تقمص دوره صلاح. وبينت الدراسة تميز أحداث التغريبة بالتواصلية بسبب واقعيتها، وأكدت الدراسة على أن حكاية المسلسل مركبة تعتمد على قصة رئيسة تغذيها قصص فرعية. وقد نسق وليد سيف بين الشخصيات وطريقة حواراتها، فطريقة علي المثقف، تختلف عن طريقة غير المثقف، وطريقة أحمد المجاهد تختلف عن طريقة المختار أبو عايد.
وتناولت دراسة دعاء عابد “توظيف الكرتون في الدراما التلفزيونية: فيلم يونس عليه السلام أنموذجًا”، وبينت كيف تنقل الكاتب في فيلمه الكرتوني بين صفحات كتاب، يخرج منه العمل الدرامي بطريقة شيقة، تجعل المتلقي متلهفًا لمتابعة الأحداث، حيث جاء صوت الحق معتدلًا على وتيرة متزنة من بداية الفيلم حتى نهايتها، أما صوت المشركين فغلب عليه التذبذب بين العلو والانخفاض، وكلاهما له دلالة، فالاتزان على وتيرة واحدة يدل على الحق وعدم الخوف والاهتزاز، أما التذبذب يدل على عدم الصدق وقلة الثقة بالنفس، وأسهمت السينوغرافيا في الكشف عن الحقب الزمنية التي ينتمي إليها العمل الفني، من خلال الثقافة البصرية التي تعكس مسرح الأحداث، وما يشتمل عليه من عناصر تسهم في نقل النص المكتوب إلى المشاهد التمثيلية المرئية، فالسينوغرافيا أداة فنية تستعمل جمالياتها لأغراض فنية، بواسطة الدهشة والإبهار لدى الجمهور المستهدف، بواسطة الكرتون، الذي جسد الشخصيات والمكان والزمان.
وقدمت الدكتورة سناء زقوت- باحثة، في دراستها “شخصية الأم في مسلسل قيامة أرطغرل”، وبينت أن شخصية الأم في مسلسل أرطغرل أدت دورًا بارزًا في سياقات فكرية وعقدية واجتماعية عمد إليها صاحب فكرة المسلسل التاريخي بمضامينه الدينية والتاريخية والفكرية، لتقدم الأنموذج الإيجابي للأم في التاريخ الإسلامي والذي ضربت به مثالا يُحتذى، بما قامت به من وظائف سياسية وعسكرية واجتماعية، وبما أثرته في مسار كثير من المحطات التاريخية.
وبينت الدراسة أبعاد تلك الشخصيات المتنوعة من خلال نماذج الدراسة: الأم هايما، والسلطانة حليمة، والأم سالجان؛ الأبعاد النفسية والمادية والاجتماعية. وأكدت الدراسة على رمزية الأم في هذا المسلسل الدالة على الوطن الجامع الذي يبني ولا يهدم، يدفع ولا يُثبط، يتقدم ولا ينهزم، كما كانت رمزا لبعض القيم الفكرية والدينية والمجتمعية السليمة الناضجة.
وتحدثت دراسة الدكتورة تهاني أبو صلاح- باحثة، في دراستها عن عبد القادر الجيلاني في الدراما التركية المعاصرة، مؤكدة أن العديد من الأعمال الدرامية التركية تناولت أعمالاً تهدف إلى بناء جيل روحاني من خلال تقديم شخصيات العلماء والزهاد والمصلحين والشعراء أمثال ابن عربي وبشر الحافي ويونس إيمره والحسن البصري والجيلاني وغيرهم ممن لهم دور واضح في بناء العارفين.
وتؤكد الدراسة أن السينما الصوفية في تركيا سارت على غرار السينما الاجتماعية أو السياسية أو التاريخية أو الدينية وذلك ليس بكثرة الأفلام التي كان موضوعها الرئيس صوفياً خالصاً فقط، وإنما من خلال التحولات الأساسية التي أصابت بنية هذه الصناعة تاريخياً منذ تسعينات القرن المنصرم حتى الآن، والتي يمكننا تقسيمها إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة تمتد منذ بداية التسعينات حتى مطلع القرن الواحد والعشرين، تميزت بإنتاج ما يقارب ثلاثين فيلماً تناولت شخصيات صوفية شهيرة والمرحلة الثانية بدأت مع مطلع الألفية الثالثة ووصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وهو الحزب الذي جمع في تجربته بين أصالة الأفكار الإسلامية ومعاصرة الحداثة السياسية في إطار سياسي جديد. وهذه المرحلة شهدت إنتاج أفلام متواضعة من حيث العدد قياساً بالمرحلة السابقة، لكنها مرحلة تناولت موضوعات صوفية معاصرة.
وخلص اليوم الدراسي إلى مجموعة من النتائج والتوصيات، التي أكدت على ضرورة الاهتمام بالدراما لما لها من دور كبير في التوثيق البصري وعودة المتلقين إلى قراءة التاريخ من خلالها، وضرورة الاهتمام بأفلام الكرتون التاريخية لأنها تمتلك التأثير الإيجابي على سلوك الأفراد، كما أنها تلبي احتياجات الأجيال، وتنمي خيالهم، وتكون عادات إيجابية وقيم سليمة.
وأكدت توصيات اليوم الدراسي على أهمية الدراما الدينية والتاريخية، الذي ظهر من خلال انجذاب ملايين المتابعين لها، وذلك يرجع لطبيعة الأفراد، وكونها تلامس التاريخ القريب منهم والواقع الذي يعايشونه.
وأشارت التوصيات إلى أهمية تمويل الإنتاج الدرامي الفلسطيني، وأهمية التنويع في الدراما الفلسطينية، فلا يشترط إظهار الجانب السياسي فقط، ويمكن المزج بينه وبين جوانب أخرى مثل قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة أو قضايا المرأة أو حصار غزة.