
جميل هو الشعور أن تكون أنت بطل القصة وراويها ! فالنجاح لأناس هجروا اليأس، وخاصموا الخوف، وتحدوا المستحيل من أجل أن تطبع أسمائهم على صفحات المجد، وجميل أيضاً أن تكتب قصة نجاحك الأولى وأنت لم تتجاوز ربيعك العشرين بعد.
الطالبة فاطمة ماجد لولو- مستوى رابع بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية، تروي قصتها وتجربتها خلال فترة تبادل طلابي مع جامعة جلاسكو- بريطانيا.
كفتاة تنتمي إلى عائلة تقدس منزلة العلم وتشجع حامله, بدأت أصنع مستقبلي بفضل من الله ودعاء والدي وجهدي الدؤوب، فكان أول إنجاز حققته هو إتمامي مرحلة الثانوية العامة بامتياز بمعدل 93% , مما أتاح لي الفرصة أن أختار تخصصي الجامعي بسهولة، ولكن هل كان هذا سهلاً على فتاة ولدت بقدرات خاصة أن تتحدى نظرة المجتمع لها بالنقص والاستهزاء ثم تحصد هذه النتيجة العظيمة؟ّ بالتأكيد لا!
النجاح لم يأت بمجرد محض صدفة أو “ضربة حظ” كما يقولون ؛ بل هو جهد ليال طويلة ممزوجة بالدموع تارة وبالدعاء تارة أخرى، فلكم عانقت نفسي حينما غلبني شعور الضعف فما زادني إلا قوة, وكم مرة واجهت المجتمع بإرادتي فما زادني غير عزم،إذ أن أول تحدٍ واجهني هو كيف لي أن أذهب إلى الجامعة وأعود منها بمفردي متخطية عدداً لا منتهياً من سيارات تفوق حجمي أضعافا ! فما زلت أذكر تلك الصعاب التي مررت بها في الفصل الأول ؛ ولكنني كنت على يقين بأن الصعاب هي من تشكل الإنسان، وأن التغلب على موجات البحر يوصلنا إلى البر.
ومن هذا المنطلق واصلت الطريق وبه أنجزت ما أصبو إليه، وعندما اخترت تخصص آداب اللغة الإنجليزية , ازددت شغفاً للتميز والنجاح إذ تتلمذت على يد أساتذة عظام نهلوا من العلم ما نهلوا ثم جادوا به كما جاد الخضر في تعليم موسى عليه السلام! فكثيراً ما شجعونا على أن نكون مبدعين منتجين في مجتمع تطفو عليه شوائب البطالة والفقر.
فانتقلت من كوني طالبة في مقعد دراسي إلى مشاركة في فعاليات متعددة حيث تطورت مهاراتي في تقديم العروض التقديمية بكفاءة عالية باستخدام وسائل تكنولوجية حديثة تكللت بحصولي على علامات متميز، ثم ازدادت ألقاً بعد أن تم اختياري لأن أكون من ضمن المرشحين في تمثيل جامعتي في منحة التبادل الدراسي في جامعة جلاسكو في المملكة المتحدة .. كيف لا ؟ وقد اجتزت المستوى الحادي عشر بعد امتحان تحديد المستوى في الجامعة الإسلامية، وحصلت أيضا على تقييم عال في المقابلة المحلية, ثم تم اختياري لدخول الفصل الدراسي من ضمن الثلة القليلة دون اللجوء إلى دورات تحضيرية.
لم أنكر أن هذه الرحلة لم تكن سهلة كسهول سقوط الثلج في مدينة جلاسكو التي لا تعرف الشمس، فبعد قضاء رحلة عناء بالانتظار على بوابة ايرز ثم المرور بجسر الأردن وانتقالاً إلى مطار دبي لينتهي بي المطاف أخيراً إلى جلاسكو التي أيقنت منذ دخولي أبوابها أنها تفتحها لكل إنسان دون التفريق بناء على شكل أو لون.
وبعد أن أتممت ما يقارب مئة يوم في رحاب جامعة جلاسكو، أستطيع الجزم بأنها كانت علامة فارقة في تطوير مهاراتي المتعددة في مجالات :”البحث, اللغة, الكتابة, الثقة بالنفس، النقاش المقنع والإرادة ، خاصة بعد دراستي لثلاث مساقات 🙁 الأدب المقارن, اللغة ومعانيها وتاريخها, الكتابة الأكاديمية والبحث).
إذ أن أساليب الجامعة التي تعتمد على أسلوب القراءة والتحليل الدقيق مع البحث عن أصل المعلومة ساعدتني في تقديم مقالات أكاديمية بنتائج صحيحة ملازمة مكتبتها الغنية بمختلف أنواع الكتب القيمة ناهلة من كل حرف وسطر، ولعل أجمل فصل في تلك الرحلة حينما سنحت لي الفرصة بأن أكون المتحدث باسم زملائي ممثلة جامعتي في جلسة ترحيب حضرها شخصيات اعتبارية من جامعة جلاسكو كممثلة البرلمان الاسكتلندي الأستاذة Sandra White التي عبرت عن سعادتها بلقائنا جميعاً، وكانت كلماتي سبباً في دعوتها لي لزيارة البرلمان الاسكتلندي، وحضور جلسة مسائلة في مدينة Edinburgh . .
وفي ضفاف أيام الغربة, أنشأت صداقات كانت أشبه ببلسم خفف ألم الغربة وحنين الوطن ! ولا أنسى سماحة هذا الشعب وطيب أخلاقه الذي عايشته واقعاً, وما زلت أذكر تلك الأسرة التي فتحت لي أبوابها كأحد أفرادها مانحة إياي وقتها لنتجول سوياً في هذه المدينة لأتعرف على معالمها التاريخية وطبيعتها الخلابة التي كانت تذكرني بجمال بلادي المحتلة !