
أبنائي وبناتي، أسرتي الكبيرة، أحبتي في فلسطين والعالم العربي والإسلامي، والمؤسسات الصديقة:
أكتب إليكم رسائلي من حيث مقر إقامتي الرئيس غرب مدينة غزة، أكتب إليكم وأنا أحتفل بعامي الثلاثين، ومما يزيد سعادتي أنني ما زلت كيوم ميلادي الأول أتوشح بعلم فلسطين، وأنظر إلى ساحل مدينة غزة وبحرها الذي مازال جميلاً رغم سنة عجفاء مرت عليه، أكتب إليكم في يوم ذي خصوصية، إنه: اليوم الثاني عشر من احتفالات تخريج الفوج السابع والعشرين، الذي يتزامن مع احتفالي بعامي الثلاثين، أتمنى أن تقرءوا رسائلي جيداً لتعلموا أن الانتشار والبقاء لا يحتاج فقط إلى تكنولوجيا عصرية وأنماط إدارية وأذهان خارقة الإبداع فرحمة الله بكم منحتكم الإنسانية التي إذا أضفتموها إلى ما سبق دمتم ودام نجاحكم، وهذا ما جعل احتفالات تخريجي التي أهديها إليكم تجد لها صدىً إنسانياً تعزز ما يقيسه من التفوا حولي بالتكنولوجيا والإدارة والعقول.
سأخبركم في رسائلي بأمور حدثت أثناء الاحتفالات تجعلكم تثابرون من أجل أن يكبر أطفالكم على ابتسامة ترسم على محياهم، ويتخرج أبناؤنا وبناتنا ببصائر تنير مستقبلهم، وآباء وأمهات يدعون لكم ليل نهار على ما قدمتم.
*****
كان اليوم الأول من احتفالات التخريج، إنه يوم الأوائل، وكم كانت السنة الدراسية 2007-2008م عصيبة، والقصة المتداولة فيها عنوانها الكهرباء والوقود، ورغم ذلك كان اسم الخريجة الأولى على مستوى الجامعة “نور” واسم الثانية “أنوار”، فانتبهوا إلى أنه لا يوجد لدينا مشاكل في الإنارة ما دام وقودها ونورها التفوق والعزيمة.
*****
أما يوم حفل تخريج طلبة كلية التجارة، فكنت أنظر إلى الضيوف الذين جاءوا يشاركون أبنائي فرحتهم، وقبل الموعد المحدد لبدء الاحتفال حضرت سيدة استرعتني النضارة التي كانت تضعها على عينيها، وقد أخذت مقعدها في القاعة، ووقفت بجانبها، وإذا بالسيدة التي تجلس إلى جوارها تقدم لها صورة صوتية عن تجهيزات الاحتفال، والسيدة تبتسم، ليتبين لي بعد ذلك أنها كفيفة جاءت تشارك ذويها فرحة تخرج أحد أبنائهم.
*****
وليس بعيداً عن ذلك كان حفل تخريج طلبة كلية الآداب، وسأنقل إليكم منه ثلاث رسائل، الأولى لسيدة بكماء شاركت إحدى قريباتها فرحة تخرج ابنتها، يومها تعرفت جيداً على قراءة عبارات الفرح من أعين الناس، كادت عينا السيدة تقفزان إلى مسرح التخرج وتضمان الابنة، وتتحدثان إليها نيابة عن لسانها.
أما الرسالة الثانية، فهي ما حدث على مسرح التخرج، فقد كانت تجلس خريجة كفيفة من قسم اللغة العربية في المقدمة –ومعلومة هي الخدمات والمزايا التي يتمتع بها مكفوفو البصر في الجامعة، فقد أصرت عندما بدأت الخريجات باستلام شهادتهن أن تتقدم بمفردها لتتسلم شهادتها دون مساعدة، ثم تعود إلى مقعدها لتقسم القسم وتشدو بالنشيد.
وأما الرسالة الثالثة فتصدر من الناحية الأخرى للمسرح فقد كان هناك خريج صاحب خصوصية إنه عريس آثر أن يحتفل في صباح اليوم التالي لزفافه بمعية أسرته وعروسه في حفل التخريج بالجامعة.
فلا تعجبوا إذا علمتم أنه “صحافي” فما رأي هؤلاء من صعاب يمر بها قطاع غزة جعلتهم يبحثون عن بقعة ضوء ومشهد فرح يعيشونه، فرغم ازدحام وقت مهنة المتاعب الذي وجد فيه وقتاً ضيقاً لزفافه فقد أقام حفل الزفاف في يومه الأول بين عائلته، واحتفل في يومه التالي بما يسميه الفلسطينيون “الصبحية” على مسرح التخريج في الجامعة.
*****
وأود أن أذكركم جميعاً بقول من قال “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، فمنكم من اعتاد على مشاهدة البرامج الرياضية، ورأى كيف يكون مارثون السباق حيوياً، فما قولكم عندما تشاهدون أباً وابنه يختصران ثلاثة وثلاثين عاماً هي فارق السن بينهما ويحصلان على درجة الماجستير فيحصل الأب على درجة الماجستير من كلية أصول الدين ويحصل الابن على درجة الماجستير من كلية الهندسة، فضلاً عن أم وابنها وخطيبة ابنها تخرج ثلاثتهم، ففي الوقت الذي تحصل فيه الأم على درجة الماجستير في التربية يحصل ابنها وخطيبته على درجة البكالوريوس في الهندسة، ويصعد ابنها ليقبل يدها وينشد رضاها.
*****
أبنائي وبناتي الخريجون والخريجات اسمحوا لي أن أخصكم بهذه الرسالة أعلموا أنه يوم ستصبحون آباء وأمهات ستنتظرون بشغف لحظة أن يكبر أبناءكم ويتقدموا ليتسلموا شهاداتهم وتحتضنوهم بين ذراعيكم وتباركون نجاحهم عندها ستتذكرون يوم أن كنتم خريجين كيف صعد آباء وأمهات وأشقاء وأنجال وكريمات زملاء لكم كانوا على مقاعد الدراسة لاستلام شهاداتهم لأنهم كانوا قد انتقلوا شهداء –بإذن الله- إلى جوار ربهم.
*****
في رسالتي الأخيرة إليكم أدعوكم ألا تبخلوا بإدخال الفرح على قلب أحد اتركوا للود مساحة في حياتكم رغم ما تتطلبه الحياة العملية والعصرية الناجحة، فإن هناك أجداد وجدات وآباء وأمهات، وإخوة وأخوات طووا الخليج العربي وبلاد الشام وغيرها من الدول وحطت قلوبهم في الجامعة بحثاً عن أبنائهم وبناتهم بين الخريجين والخريجات الذين حال الحصار المشدد وإغلاق المعابر دون وصولهم ليحظوا سوياً بلحظات طال انتظارها.
الجامعة الإسلامية-غزة